ما إن يهل شهر ربيعٍ الأول إلا وتحل على الأمة الإسلامية الذكرى العطرة لمولد رسول الرحمة صلوات الله وسلامه عليه، النبي الأمي، الذي علّٓم الدنيا وغير مجرى التاريخ، وحقق العدل والرحمة، من بعد عهود طويلة من الجور والاستبداد، وأزال الجهل، ونشر العلم، و رسّخ الإيمان، وقضى على العصبيات، وأنقذ أجيالا من بؤس الجاهلية.
إن ذكرى المولد النبوي تُعد من أهم المناسبات الإسلامية، فيها تكون القلوب مهيأة لسماع كل ما يتعلق بالنبي وسيرته، وإعادة قراءة ما نقله الأولون عن بديع شمائله، وما سطره المحبون في جميل صفاته، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فمن "رُزِق محبةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، استولت روحانيتُه على قلبه، فجعله إمَامَه ومعلمَه، وأستاذه وشيخه وقُدوته، كما جعل الله نبيَّه ورسوله هاديا إليه. فيطالع سيرته ومبَادئ أمره، وكيفيةَ نزول الوحي عليه، ويعرفَ صفاتِه وأخلاقَه في حركاته وسكونه، ويقظته ومنامه، وعبادته ومعاشرته لأهله وأصحابه، حتى يصير كأنه معه، من بعض أصحابه".
حول ذكرى مولد الهُدى صلى الله عليه وسلم يقول الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة - أستاذ علوم الحديث، وعضو المجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي - إن ذكرى ميلاد الرسول عزيزة على قلب كل مؤمن، فهو الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، وهو الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور، وأنقذهم من شقاء الجاهلية، وضلال الوثنية،
فلقد ولد رسولنا الكريم في أمة ممزقة مبعثرة، تتنازعها المطامع والولاءات، فجمع شتاتهم ووحد رايتهم، وأقام دولة العدل فيهم، فجعل رُعاة الغنم رُعاة للأمم، وحوّل عُبّاد الحجر إلى قادة للبشر.
إن ذكرى مولد الحبيب تعيد التأكيد على فضل النبي ومكانته عند ربه الذي قال في محكم آياته (ورٓفٓعْنا لٓكٓ ذِكْرٓك) الشرح ٤.
فالله سبحانه وتعالى قد اختص سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بخصائص عدة؛ أرسله رحمة للعالمين، وحمّٓله خاتم الرسالات، وجعل رسالته لا تختص بأهل الجزيرة فقط وإنما تتصف بالعالمية، كما شرّٓفه المولى عز وجل بتبليغ القرآن العظيم ( وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) الحجر ٨٧، وأعطاه الشفاعة، والمقام المحمود يوم القيامة.
من أجل هذا يشدد الشيخ سلامة على ضرورة أن تقترن محبة النبي في قلوب المسلمين بإتباع هديه والسير على نهجه، حتى ينالوا محبة الله ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) آل عمران ٣١ ، فأن يترافق الحب مع الطاعة والإتباع، فذلك هو السبيل الوحيد للوصول إلى منتهى أمل كل مسلم، ألا وهي الجنة التي عرضها السماوات والأرض التي أُعدت للمتقين.
إن السير على هدي القرآن الكريم، وإتباع السنة المطهرة - يقول الشيخ - لهو المدخل الرئيسي الموصل إلى مرضاة الله عز وجل، فإذا رضي الله عن عبد أكرمه بجنته، ونعّمه بالنظر إلى وجهه الكريم.